اللهم صل على محمد وآل محمد
أهل البيت
سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم
تأليف
سماحة العلامة المحقّق
الشيخ جعفر السبحاني
مؤسسة الامام الصادق (عليه السلام) قم / ايران
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى :
(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
(الاَحزاب: 33 )
--------------------------------------------------------------------------------
المقدّمة
الحمد للّه بارىَ النسم، وسابغ النعم، والصلاة والسلام على أفضل خليقته،وأشرف بريّته، أبي القاسم محمد، وعلى آله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
أمّا بعد؛
لقدحاز أهل البيت (عليهم السلام) على أهمية بالغة في القرآن الكريم،وأشار إليهم في غير واحد من آياته ببيان سماتهم، وحقوقهم، وما يمت إليهم بصلة، لا سيما آية التطهير المعروفة بين المسلمين، أعني: قوله سبحانه: (إِنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ البَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً).
ولاَجل أهمية الموضوع ألّف غير واحد من علماء الفريقين كتباً ورسائل حوله، أفاضوا فيها الكلام حول هوية أهل البيت ومناقبهم وفضائلهم.
وقد استرعى انتباهي في الفترة الاَخيرة كتابان حول أهل البيت: أحدهما: «حقوق أهل البيت (عليهم السلام) » لابن تيمية (المتوفّى عام 728هـ)، والآخر: «الشيعة وأهل البيت» للكاتب المعاصر إحسان إلهي ظهير حيث بذلا الوسع لبيان نزول الآية في نساء النبي ص، و الكتاب الثاني أشدّ بخساً في هذا المجال. وقد أنصف الكتاب الاَوّل بعض الاِنصاف.
هذا وذاك ممّا دعاني إلى تقديم هذا الكتاب الماثل بين يديك الذي يبيّن هوية أهل البيت من خلال القرائن الموجودة في الآية والروايات المتضافرة ، مضافاً إلى بيان سماتهم وحقوقهم عسى أن يجبر بعض ما هضم من حقوقهم في ذينك الكتابين خصوصاً الكتاب الاَخير.
وأود أن أشير في الختام إلى نكتة وهي انّ آية التطهير لحنها لحن الثناء والتمجيد على أهل البيت (عليهم السلام) في حين انّ لحن الآيات الواردة في نساء النبي ص النصح والوعظ تارة، والتنديد والتوبيخ أُخرى.
--------------------------------------------------------------------------------
أمّا الاَوّل فكما في الآيات الواردة في سورة الاَحزاب.
يقول سبحانه: (يا أَيُّها النَّبيُّ قُل لاََزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَميلاً) .(1)
(يا نِساءَ النَّبيّ مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشة مُبيّنةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَينِ وَكانَ ذلِكَ عَلى اللّهِ يَسيراً) .(2)
(يا نِساءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ منَ النِّساءِ إِن اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيََطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَولاً مَعْرُوفاً) .(3)
(وَقَرَنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِليّةِ الاَُولى وَأَقمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وأَطِعْنَ اللّهَ ورَسُولَهُ) .(4)
وأمّا الثاني أي التنديد و التوبيخ ففي الآيات الواردة في سورة التحريم:
(يا أيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرضاةَ أَزْواجِكَ واللّهُ غَفُورٌ رَحيم) .(5)
(إِن تَتُوبا إِلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَولاهُ وجِبْرِيلُ وصَالِحُ الْمُوَْمِنِينَ والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِير) .(6)
(عَسى رَبُّهُ إِنْطَلَّقْكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُوَْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً).(7)
فأُمّهات الموَمنين كسائر الصحابيات لهنّ من الفضل ما لغيرهنّ، ولكن آية التطهير بلغت من الثناء على أهل البيت بمكان تأبى من الانطباق عليهن بما عرفت لهنّ من السمات في الآيات وستوافيك دلالة الآية على عصمة أهل البيت وتنزيههم من الزلل والخطأ.
____________
1 . الاَحزاب: 28 .
2 . الاَحزاب: 30.
3 . الاَحزاب: 32 .
4 . الاَحزاب: 33 .
5 . التحريم: 1 .
6 . التحريم: 4 .
7 . التحريم: 5 .
--------------------------------------------------------------------------------
أهل البيت (عليهم السلام) سماتهم و حقوقهم
لقد وردت لفظة «أهل البيت » مرّتين في القرآن الكريم.
قال سبحانه حاكياً عن لسان الرسل: (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أمرِ اللّهِ رَحمةُ اللّهِ وبَركاتُهُ عَلَيْكُمْ أهلَ البَيْتِ إنّهُ حَمِيدٌ مَجِيد) .(1)
وقال تعالى(وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَّ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الاَُولى وأقِمْنَ الصلاةَ وآتِينَ الزكاةَ واطِعْنَّ اللّهَ ورَسُولَهُ إنّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيراً) . (2)
فالآية الاَُولى تخاطب أهل بيت خليل اللّه عند ما جاءتهم الرسل فبشّـروا امرأته بإسحاق ومن وراء إسحاق بيعقوب.
ولمّا كانت هذه البشارة على خلاف السنن الكونية حيث كان الخليل شيخاً وزوجته طاعنة في السن، فلذلك تعجبت وقالت مخاطبة الرسل: (يا وَيْلَتي ءَأَلِدُ وأنَا عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إنّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيب) (3) فوافاها
____________
1 . هود: 73 .
2 . الاَحزاب: 33 .
3 . هود: 72.
--------------------------------------------------------------------------------
الجواب من جانب الرسل الذين كانوا ملائكة وتمثّلوا بصورة الاِنسان، قائلين: (أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت انّه حميد مجيد) .
وأمّا الآية الثانية فقد وردت في ثنايا الآيات التي نزلت في شأن نساء النبي ص بدعوتهنّإلى التخلّـي عن الدنيا والتحلّـي بالتقوى إلى غير ذلك من الوصايا التي وردت ضمن آيات. (1)
والمهم في هذا المقام هو معرفة أهل البيت في الآية الثانية وما هي سماتهم وحقوقهم في الذكر الحكيم؟
فهناك مباحث ثلاثة:
من هم أهل البيت (عليهم السلام) ؟
و ماهي سماتهم؟
وماهي حقوقهم؟
وها نحن نقوم بدراسة هذه المواضيع في فصول ثلاثة مستمدين من اللّه العون والتوفيق.
____________
1 . انظر سورة الاَحزاب، الآيات : 28 ـ 34.
--------------------------------------------------------------------------------
الفصل الاَوَّل
من هم أهل البيت (عليهم السلام)
إنّ المعروف بين المفسرين والمحدّثين، هو انّ المراد من أهل البيت في الآية المباركة، العترة الطاهرة الذين عرّفهم الرسول ص في حديث الثقلين، وقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي».
غير انّ تحقيق مفاد الآية وتبيين المراد من أهل البيت فيها وانطباقها على حديث الثقلين يستدعي البحث في موردين:
أ. أهل البيت لغة وعرفاً.
ب. أهل البيت في الآية المباركة.
وإليك الكلام فيهما واحداً تلو الآخر .
* * *
--------------------------------------------------------------------------------
أ. أهل البيت لغة وعرفاً:
هذا اللفظ مركب من كلمتين ولكل مفهوم، ويمكن تحديد مفهوم «الاَهل» من موارد استعماله فيقال:
1. أهل الاَمر والنهي. 2. أهل الاِنجيل. 3. أهل الكتاب. 4. أهل الاِسلام. 5. أهل الرجل. 6. أهل الماء.
وهذه الموارد توقفنا على أنّ كلمة «أهل» تستعمل مضافاً فيمن كان له علاقة قوية بمن أُضيف إليه، فأهل الاَمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم والبعث والزجر، وأهل الاِنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الاِسلام.
وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أنّ الاَهل والآل كلمتان بمعنى واحد، قال ابن منظور: آل الرجل: أهله، وآل اللّه وآل رسوله: أولياوَه، أصلها أهل ثم أُبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل، فلمّـا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً، كما قالوا: آدم وآخر، وفي الفعل آمن وآزر .
وقد أنشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة على مكة المكرمة، وقد أخذ حلقة باب الكعبة وقال:
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك وعلى ما ذكرنا، فهذا اللفظ إذا أُضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل مثلاً هم أخص الناس به، وأهل المسجد، المتردّدون كثيراً إليه، وأهل الغابة القاطنون فيها ... فإذا لاحظنا موارد